فصل: الجملة السابعة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الجملة التاسعة في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها الآن

من الموحدين في النسب ودعواهم الخلافة وبيان أصل دولتهم وتسميتهم الموحدين أمـا منتماهـم فـي النسـب فقـد ذكـر فـي التعريف‏:‏ أن الملك القائم بها في زمانه يدعي النسب إلى أميـر المؤمنيـن‏:‏ عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه ومـن أهـل النسـب من ينكر ذلك‏:‏ فمنهم من يجعله مـن بنـي عـدي بـن كعـب رهـط عمـر وليـس مـن بنـي عمـر ومنهـم مـن يقول بل من هنتاتة وليسوا من قبائل العرب في شيء‏.‏

وهم بقايا الموحدين إذا كان مـن تقريـر ابـن تومـرت أن الموحديـن هـم أصحابـه ولـم يبـق ملـك الموحدين إلا في بني أبي حفص هذا‏.‏

واعلم أن النسابين قد اختلفوا في نسبه على ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها - نسبته إلى أمير المؤمنين‏:‏ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهؤلاء يقولون‏:‏ هو أبو حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي بن أحمد بن والأل بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتق بن محمد بن نجيه بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون ويظهر أن هذا النسب القرشي وقع في المصامدة من البربر والتحم بهم واشتملت عليه عصبيتهم شأن الأنساب التي تقع من قومٍ الى قوم‏.‏

الثانـي - نسبتـه إلـى بنـي عـدي بـن كعب‏:‏ رهط عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ينتسب فيـه وهـو أميـر المؤمنيـن عمـر بـن الخطـاب بـن نفيـل بـن عبـد العـزى ابـن ربـاح بـن عبـد اللـه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب جد النبي صلى الله عليه وسلم وباقي نسبه الى عدنان معروف‏.‏

الثالـث - نسبتـه إلـى هنتاتـة وهنتاتـه - بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثناة فوق وبعدها ألف ثم تاء مثناة فوق مفتوحة ثم هاء قبيلة من قبائل المصامدة من البربر بجبال درن المتاخمة لمراكش وهي قبيلة واسعةٌ كبيرةٌ ويقال لها بالبربرية ينتي وكان أبو حفص هذا هو شيخهم وكبيرهم وهو الذي دعاهم إلى اتباع ابن تومرت والحمل على طاعته‏.‏

وأمـا دعواهم الخلافة فقد قال في التعريف عند ذكر سلطان زمانه منهم‏:‏ لا يدعي إلا الخلافة ويتلقب بألقاب الخلفاء ويخاطب بأمير المؤمنين في بلاده‏.‏

واعلـم أن أول مـن تلقـب منهـم المستنصـر باللـه أبـو عبد الله محمد ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص على أن أباه كان يمتنع من التلقب بألقاب الخلافة ويمنع من يخاطبـه بهـا مقتصـراً علـى التلقـب بالأميـر خاصـةً حتـى إن بعـض شعرائـه رفـع اليـه قصيدةٌ مدحه بها أولها‏:‏ وافر‏.‏

الأ جل بالأمير المؤمنينا فأنـت بهـا أحـق العالمينا فأنكر ذلك عليه‏.‏

وإنما حمل المستنصر على ذلك أن الخلافة في زمنه قد تعطلت في سائر الأقطار‏.‏

وذلك أن الخلافة الأموية ودعاوى بني عبد المؤمن قد زالت عنها في المغرب بغلبة بني مرين عليهم وانتزاعهم الأمر منهم وخلافة العبيديين قد زالت من مصر وخلافة بني العباس قد زالت من بغداد باستيلاء التتر عليها‏.‏

وأمـا مبـدأ دولتهـم ومصيـر آخرهـا إلـى بنـي أبـي حفص بأفريقية فإذا أصل قيامها ابن تومرت‏:‏ وهو محمد بن عبد الله تومرت بن وجليد بن يا مصال بـن حمـزة ابـن عيسـى فيمـا ذكـره محققـو المؤرخين‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ محمد بن تومرت بن نيطاوس بن سافلا بن مسعيون بن ايكلديس بن خالـد أصله من هرغة من بطون المصامدة من البربر‏.‏

وبعض المؤرخين يجعل نسبه في أهل البيت ويقول‏:‏ هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن صفوان بن جابر بـن عطـاء بـن ربـاح بـن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

وسليمان هذا أهو إدريس الأكير الذي كان لبنيه الدولة بالغرب على ما مر في الكلام على مكاتبة صاحب بر العدوة‏.‏

ويقال إن سليمان هذا لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس وقيل‏:‏ بل هو من قرابة إدريس اللاحقين بـه إلـى المغـرب ويكـون علـى هـذا المقتضـى نسبـه قـد التحـم بنسـب المصامـدة واتصـل بهـم وصـار في عدادهم كما تقدم في نسب أبي حفص‏.‏

وكان أهل بيته أهل دين وعبادة وشب محمد هذا فيهم قارئاً محباً للعلم وارتحل في طلب ثم لحق بالأسكندرية وحج ودخل العراق ولقي أكابر العلماء به يومئذ وفحول النظار‏.‏

ولقي أئمة الأشعرية من أهل السنة وأخذ بقولهم في تأويل المتشابه‏.‏

ويقال إنه لقي أبا حامد الغزالي رحمه الله واستشاره فيما يريده من قيام الدولة بالمغرب‏.‏

ورجع إلى المغرب وقد حصل على جانب كبير من العلم وطعن على أهله في الوقوف مع الظاهر وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذهب الأشعرية في جميع العقائد وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة وغيرها‏.‏

وكان مع ذلك يقول بعصمة الأمام على مذهب الأمامية من الشيعة‏.‏

وانتهى إلى بجاية فأقام بها يدرس العلم ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وهناك لقيه عبد المؤمـن أحـد أصحابـه وارتحـل معـه إلـى المغـرب وصـار إلى بلاد هرغة من البربر فاجتمع إليه الطلبة ونشر العلم وأظهر مذهب الأشعرية‏.‏

وكان الكهان والمنجمون يتحدثون بظهور ملك بالمغرب من البربر وشاع في الناس أنـه ذلـك الملـك واختار من أصحابه عشرةً فجعلهم خاصته‏:‏ وهم عبد المؤمن بن علي وأبو حفص عمر بن علي ومحمد بن سليمان وعمر بن تافركين وعبد الله بن ملويات وغيرهم‏.‏

ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين فبايعوه على ذلك سنة خمس عشرة ولما تكاملت له البيعة لقبوه بالنمهدي وكان قبل ذلك يلقب بالأمام وكان عبد المؤمن أخـص أصحابه به وكان يلقبه بالخليفة وأبو حفص بعده في الخصوصية وكـان يلقبـه بالشيـخ وكـان يسمي أتباعه الموحدين تعريضاً بمن يجنح عن التأويل ويقف مع الظاهر فيوقعه في التجسيم وغيره ولم تحفظ عليه بدعة إلا ما وافق في الأمامية من القول بعصمة الأمام‏.‏

وقد مر ذكر مدة ولايته ثم استخلاف عبد المؤمن بعده في الكلام على مكاتبة صاحب بر العدوة‏.‏

وقد تقدم ابتداء انتقال مملكة إفريقية إلى أبي حفص وانسحابها فيهم إلى زماننا على الترتيب‏.‏

الجملة العاشرة في ترتيب المملكة بها من زي الجند وأرباب الوظائف من أرباب السيوف والأقلام ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزي السلطان وترتيب حاله في الملك أمـا الجنـد فقد نقل عن مسالك الأبصار عن أبي عبد الله بن القويع‏:‏ أن الذي قرره لهم مهديهم ابـن تومـرت ثـم عبـد المؤمن وأبناؤه أنه ليس لهم أمراء ولا أتباع يطلب بعدتهم كعدة الأمراء بمصر وإنما لهم أشياخٌ من أعيانهم لا عدة لهم ولا جند بل المرء منهم بنفسه فقط ولكل طائفة منهم رئيس يتولى النظر في أحوالهم يسمونه المزوار‏.‏

أما الجند فمن الموحدين والأندلسيين وقبائل بها من المضافة إليهم ومن قبائل العرب ومن هاجر إليهم من العرب القدماء الذين هاجروا في مدة بني عبد المؤمن والمماليك الترك المبتاعة من الديار المصرية ومن الفرنج وغيرهم‏.‏

وحاصل ما ذكره في المسالك أن الجند عندهم على سبع طبقات‏.‏

الطبقة الأولى - الأشياخ الكبار من الموحدين الذين هم بقايا أتباع المهدي ابن تومرت‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهم بمثابة أمراء الألوف بمصر وبمثابة النوينات أمراء التوامين بمملكة إيران‏.‏

الطبقة الثانية - الأشياخ الصغار من الموحدين أيضاً‏:‏ وهم من تقدم منهم في الرتبة‏.‏

الطبقـة الثالثـة - الوقافـون‏.‏

قـال فـي مسالـك الأبصار‏:‏ سألت ابن القويع عن معنى الوقافين ما هو فقال‏:‏ هم قومٌ لهم خاصية بالسلطان يسكنون معه في القصبة‏:‏ وهي القلعة بمنزلـة الأمـراء الخاصكية‏.‏

قال‏:‏ وهم طبقتان‏:‏ وقافون كبار ووقافون صغار وكلهم يقفون بين يديه في أوقات جلوسه إذا الطبقة الرابعة - عامة الجند‏.‏

الطبقة الخامسة - الجند من قبائل العرب‏.‏

الطبقة السادسة - الصبيان‏:‏ وهم جماعةٌ من الشباب بمثابة المماليك الكتانية بالديار المصرية يكونون في خدمة السلطان‏.‏

الطبقة السابعة - الجند من الأفرنج ويعبر عنهـم بالعلـوج وهـم لخاصـة السلطـان لا يطمئـن إلا إليهم‏.‏

وأمـا عـدة العسكـر‏.‏

ففـي مسالـك الأبصـار عـن ابن القويع أنها لا تبلغ عشرة الأف وإنما العدد الجم في العرب أهل البادية ولهم قوة شوكةٍ‏.‏

وأما أرباب الوظائف فعلى ثلاثة أضرب‏.‏

الضرب الأول أرباب السيوف وهم ثمانية الأول - الوزراء‏:‏ وهم ثلاثة وزراء‏:‏ وزير الجند وهو المردود إليه الحديث في أمر الجند‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهو بمثابة الحاجب بالديار المصرية ووزير المال‏:‏ وهو المتحدث في أمر المال ويعبر عنه بصاحب الأشغال ووزير الفضل وهو كاتب السر‏.‏

الثاني - شيخ الموحدين‏.‏

قال ابن القويع‏:‏ وشيخ الموحدين كأنه نائب السلطان ويسمى الشيخ المعظم وهو الذي يتولى عرض الموحدين وأمورهم‏.‏

الثالث - أهل المشورة‏:‏ وهم ثلاثةٌ من أشياخ الموحدين يجلسون بمجلسه للرأي والمشورة‏.‏

الرابع - صاحب الرقاعات‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهو الذي يتولى إبلاغ الظلامات إلى السلطان وإيصال قصصهم وعرضها عليه ثم يخرج بجوابها عنه‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهذا بمثابة الدوادار يعين بالديار المصرية‏.‏

الخامس - صاحب العلامات‏:‏ وهوالمتولي أمور الأعلام وهو بمثابة أمير علم بالديار المصرية‏.‏

وفي معناه آخر إليه أمر دق الطبول يأمر بدق الطبول عند ركوب السلطان في المواكب‏.‏

السادس - الحافظ‏:‏ وهو صاحب الشرطة وعنه يعبر المصريون بوالي المدينة‏.‏

السابع - محركو الساقة‏:‏ وهم قومٌ يكون بأيديهم العصي يرتبون الناس في المواكب بمنزلة النقباء بالديار المصرية‏.‏

الثامن - صاحب الطعام‏:‏ وهو بمنزلة إستاددار الصحبة‏.‏

الضرب الثاني أرباب الأقلام الأول - قاضي الجماعة‏:‏ وهو مثل قاضي القضاة بالديار المصرية‏.‏

الثاني - المحتسب‏:‏ وهو معروف‏.‏

الثالـث - صاحـب كتـب المظالـم‏.‏

قال في مسالك الأبصار وهو الموقع على القصص وكأن بمثابة موقع الدست بمصر والشام‏.‏

الجملة الحادية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان ويختلف الحال باختلاف أحوال أربابها‏.‏

فأمـا أشيـاخ الموحديـن الكبار فقد نقل في مسالك الأبصار عن القاضي أبي القاسم بن بنون أن لهم أرضاً يزرعونها أو يحكرونها ويكون لهم عشر ما طلع منها‏.‏

وهذه الأرض بمثابة الأقطاع بمصر ولكل واحدٍ منهم في كل سنة حرث عشرة أزواجٍ بقراً كل زوج بشعبتين كل شعبة رأسان من البقر فيكون لكل واحدٍ عشرون شعبة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهـذه الشعبـة هـي المسمـاة فـي بلـاد دمشـق بالفـدان‏.‏

ولهـم مـع ذلـك راتـب يفـرق عليهـم فـي طول السنة يسمونه البركات بمثابة الجوامك بمصر يفرق أربع مرات في السنة‏:‏ في عيد الفطر تفرقةٌ وفي عيد الأضحى تفرقةٌ وفي ربيع الأول تفرقةٌ وفي رجبٍ تفرقةٌ يصيب كل واحدٍ منهم من ذلك أربعون ديناراً مسماةً تكون بثلثمائة درهم عتيقة والسلطان يأخذ معهم بسهم كواحد منهم على السواء فيكون جملة ما لكل واحد منهم في كل سنةٍ مائةً وعشرين ديناراً مسماة عنها الألفٌ ومائتا درهم مغربية عنها من نقد مصر والشام ستمائة وخمسون درهماً وما يتحصل من مغل عشرين فداناً بقدر مثلها‏.‏

قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ فيكـون تقدير ما لأحد المشايخ الكبار الذين بمثابة أمراء الألوف بمصر والشام في كل سنة ألفٌ وثلثمائة وعشرة دراهم نقرةً بمعاملة مصر في كل سنة‏.‏

وأمـا الأشيـاخ الصغـار فلكـل واحـد منهـم حـرث خمسـة أزواج مـن البقـر على النصف من الأشيـاخ الكبـار والبركـات فـي كـل سنـة علـى مـا تقدم في الكبار‏.‏

قال ابن بنون‏:‏ ولعامة الأشياخ الكبار والصغار والوقافين والجند شيءٌ آخر يفرقه السلطان عليهم يسمى المواساة‏:‏ وهي غلة تفرق عليهم عند تحصيل الغلات في المخازن وشيء ثالثٌ يقال له الأحسان وهو مبلغٌ يفرق عليهم‏.‏

قال وكلاهما من السنة إلى السنة ليس لها قدر مضبوط ولا قدر مخصوص بل على قدر ما يراه السلطان وبحسب أقدار الناس‏.‏

ومقادير العطايا بينهـم متفاوتـةٌ‏.‏

قـال‏:‏ وكذلـك القبائـل ومزاويرهـم على هذا النحو‏.‏

قال ابن القويع‏:‏ والجند الغرباء يتميزون في الأعطيات على الموحدين‏.‏

قال‏:‏ وللعرب أهل البادية إقطاعاتٌ كثيرةٌ ومنهم من يخرج مع السلطان إذا استدعاهم السلطان للخروج معه‏.‏

الجملة الثانية عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامة أهل بلده أمـا لبسـه فقـد ذكر في مسالك الأبصار عن سلطان زمانه بأفريقية‏:‏ أن له عمامةً ليست بمفرطة فـي الكبـر بحنـكٍ وعذبـة صغيـرة‏.‏

قـال ابن سعبيد‏:‏ له عمامةٌ كبيرةٌ من صوفٍ وكتان فيها طرازٌ مـن حريـر‏.‏

ولا يتعمـم أحـدٌ مـن أهـل دولتـه قدرهـا فـي الكبـر‏.‏

وذكر أن عذبة عمامته تكون خلف أذنـه اليسـرى وأنهـا مخصوصـة بـه وبأقاربـه ولـه جبـاب تليهـا ولا يلبـس هو ولا عامة جنده وأشياخه خفاً إلا في السفر‏.‏

وغالب لبسه ولبس أكابر مشايخه من قمـاشٍ عندهـم يسمـى السفسـاري يعمل عندهم من حريرٍ وقطن أو حريرٍ وصوفٍ رفيعٍ جداً وقماشٍ يعرف بالتلمسانـي يعمـل بتلمسـان‏:‏ إمـا صـوفٌ خالصٌ أو حرير خالص‏:‏ مختم وغير مختم‏.‏

قال ابن بنون‏:‏ والسلطان يمتاز بلبس الخز ولونه لون الخضرة والسواد‏.‏

قال‏:‏ وهذا اللون هز المسمى بالجوزي وبالغيار وبالنفطي‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهو ما يخرج من البحر بصفاقس‏.‏

قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ وهـو المسمـى بوبـر السمـك بمصـر والشـام يعنـي المعبـر عنـه بصـوف السمك المقـدم ذكـره عند صفاقس من بلاد أفريقية‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهي أفخر ثياب السلطان بتونس ونقـل فـي مسالـك الأبصـار عـن ابن سعيد‏:‏ أنه يلبس الثياب الصوف الرفيعة ذوات الألوان البديعة وأكثـر مـا يلبـس المختم الممتزج من الحرير والصوف بكمين طويلين من غير كثرة طول ضيقين من غير أن يكونا مزندين‏.‏

وثيابه دون شد نطاقٍ إلا أن يكون في الحرب فإنه يشد المنطقة ويلبس الأقبية وله طيلسان صوفٍ في نهاية اللطافة كان يرتدي به ولا يضعه على رأسه‏.‏

وأما لبس الأشياخ والدواوين والوقافين والجند والقضاة والوزراء والكتاب وعامة الناس فعلى زي واحـدٍ لا تكـاد تتفاوت العمائم والجباب ولا يمتاز الأشياخ والوقافون والجند إلا بشيء واحد لا يكـاد يظهـر ولا يبيـن وهو صغر العمائم وضيق القماش ولباس عامة أهل أفريقية من الجوخ ومن الثياب الصوف ومن الأقبية ومن الثياب القطن فمن لبس غيـر هـذا ممـا يجلـب مـن طرائـف الإسكندرية والعراق كان نادراً شاذاً‏.‏

في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان نقل في مسالك الأبصار عن ابن القويع أن له علماً أبيض يسمى العلم المنصور يحمل معه في المواكب وذكر أن الأعلام التي تحمل معه في المواكب سبعة أعلام‏:‏ الأوسط أبيض وإلى جانبه أحمر وأصفر وأخضر‏.‏

قال‏:‏ ولا أتحقق كيف ترتيبها وأن ذلك غير أعلام القبائل التي تسير معه فلكل قبيلةٍ علمٌ تمتاز به بما عليه من الكتابة والكتابة مثل لا إله إلا الله أو الملك لله وما أشبه ذلك وأن له الطبول والبوقات والنفير‏.‏

الجملة الرابعة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم قال ابن سعيد‏:‏ عادة هذا السلطان في مدينة مملكته تونس‏:‏ أنه يخرج باكر كل يوم إلى موضعٍ يعـرف بالمدرسـة ويبعـث خادمأً صغيراً يستدعي وزير الجند من موضعه المعين له فيدخل عليه رافعـاً صوته بسلام عليكم عن بعد من غير أن يوميء برأسه ولا يقوم له السلطان فيجلس بين يدي السلطان ويسأله السلطان عما يتعلق بأمور الجند والحروب ثم يأمره باستدعاء من يريده من أشياخ الجند أو العرب أو من له تعلق بوزير الجند ثم يأمر باستدعـاء وزيـر المـال وهـو المعـروف بصاحـب الأشغـال فيأتـي معه ويسلمان جميعاً من بعد على السلطان وإن كان قد تقدم سلـامٌ وزيـر الجنـد ثـم يتقـدم وزيـر المال إلى ما بين يدي السلطان ويتأخر وزير الجند إلى مكانٍ لا يسمع فيه حديثهما ثم يخرج وزير المال ويستدعي من يتعلق به ثم يحضـر صاحـب الطعـام بطعام الجند ويعرضه على وزيرهم لئلا يكون فيه تقصيرٌ ثم يقوم السلطان من المدرسة إلى موضعٍ مخصوصٍ ويستدعي وزير الفضـل‏:‏ وهـو كاتـب السـر ويسألـه عـن الكتـب الـواردة مـن البلـاد وعمـا تحتاج خزانة الكتب إليه وعما تجدد في الحضرة وفي البلاد مما يتعلق بأرباب العلم وسائر فنون الفضل والقضاة ويأمر باستدعاء من يخصه من الكتاب ويملي عليه وزير الفضل ما أمـر بكتابته ويعلم عليه وزير الفضل بخطة ثم يستدعي السلطان من شاء من العلماء والفضلاء ويتحاضرون محاضرةً خفيفة‏.‏

وإن كان وزير الفضل قد رفع قصيدةً لشاعر وافدٍ أو مرتبٍ في معنى استجد أمره السلطان بقراءتهـا عليـه أو يأمـر بحضـور الشاعـر لينشدهـا قائمـاً أو قاعـداً بحسـب مـا تقتضيه رتبته ويتكلـم السلطان مع وزير الفضل ومن حضر من الفضلاء في ذلك ويكتب على كل قصيدةٍ بما الجملة الخامسة عشرة في جلوسه للمظالم قـال الشيـخ شرف الدين عيسى الزواوي‏:‏ إذا جلس السلطان جلس حوله ثلاثةٌ من كبار أشياخ الموحدين للرأي والمشورة ويجلس معهم وزير الجند إن كان كبيراً وإن لم يكن كبيراً وقف بإزاء أولئك الثلاثة ويجلس دونهم عشرة من أكابر أشياخه وربما كان الثلاثة المختصون بالرأي من جملة العشرة المذكورين ويقف خمسون وقافاً وراء وزير الجند‏.‏

فإذا أمر السلطان بأمرٍ بلغـه وزير الجند لآخر واقفٍ وراءه وبلغه الآخر لآخر حتيى ينتهي إلى من هو خارج الباب بنقل ناسٍ عن ناس ويقف دون الخمسين المذكورين جماعة تسمى بالوقافين بأيديهم السيوف حولـه وهم دون الخمسين المذكورين في الرتبة‏.‏

وقـد ذكـر ابـن سعيـد‏:‏ أن يوم السبت مخصوص عنده بأن يقعد في قبة كبيرة في القصبة‏:‏ وهي القلعة ويحضر عنده أعيان دولته وأقاربه والأشياخ ويجلس أقاربه عن جانبه الأيمن والأشياخ عن جانبـه الأيسـر ويجلـس بيـن يديـه وزيـر الجنـد ووزيـر المـال وصاحـب الشرطـة والمحتسـب وصاحب كتب المظالم‏:‏ وهو الموقع على القصص‏.‏

ويقرأ الكاتب المعين ما وقع له على قصص المظالم ويرد كل ما يتعلق بوظيفةٍ إلى رب تلك الوظيفة إلى رب تلك الوظيفة وينفذ الباقي‏.‏

الجملة السادسة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة قـال ابـن سعيـد‏:‏ مـن عادة السلطان بأفريقية أنه لا يجتمع يوم الجمعة بأحد بل يخرج عندما ينادي المنادي بالصلاة ويشق رحبة قصره ما بين خواص من المماليك الأتراك فعندما يعاينونه ينادون سلامٌ عليكم نداءً عالياً على صوت واحد يسمعه من يكون بالمسجد الجامع ثم يتقدمه وزير الجنـد بيـن يديـه فـي ساباط يخرج هناك للجامع عليه بابٌ مذهب سلطاني ويسبق الوزير فيفتح الباب ويخرج منه السلطان وحده ويخرج له جماعة الوقافين من أعيان الدولة فلا يقوم له في الجامع غيرهم وليس له مقصورةٌ مخصوصةٌ للصلاة‏.‏

فإذا انفصل عن الصلاة قعد في قبة كبيرة له في صدر الرحبة وحضر عنده أقاربه ثم يدخل قصره‏.‏

  الجملة السابعة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر

قال القاضي شرف الدين عيسى الزواوي‏:‏ وعادته في ذلك أن يركـب السلطـان وعـن يمينـه فـارسٌ وعـن يساره فارسٌ من أكابر أشياخه من العشرة المقدم ذكرهم ويمشي الى جانبه رجلان مقلدان سيفين رجالة الى جانبه‏:‏ أحدهما ممسك بركابه الأيمن والثاني ممسكٌ بركابـه الأيسـر ويليهما جماعة رجالة من أكابر دولته‏:‏ مثل الثلاثة أصحاب الرأي والعشرة الذين يلونهم ومـن يجري مجراهم من أعيان الجند وتسمى هذه الجماعة ايربان يمشون حوله بالسيوف وبأيديهم عكاكيز‏.‏

قال‏:‏ وربما مشى في هؤلاء قاضي الجماعة‏:‏ وهو قاضي القضاة‏.‏

وأما هؤلاء الجماعة المشائين نفرٌ كثير من الموحدين أقارب السلطان بسيوفٍ ومزاريق ويسمون بالمشائين‏.‏

وقدامهم جماعةٌ يقال لها جفاوة‏:‏ وهم عبيد سودٌ بأيديهم حراب في رؤوسها راياتٌ من حرير وهم لا يلبسون جب أبا بيضاً مقلدون بالسيوف‏.‏

وأما هؤلاء قومٌ يعبر عنهم بعبيد المخزن وهم عـوام البلـد وأهـل الأسـواق وبأيديهـم الـدرق والسيوف ومعهم العلم الأبيض المسمى بالعلم المنصور المقدم ذكره في شعار السلطنة‏.‏

وعادتهم أن ينادى فيهم ليلة العيد أو ركوب السلطان لسفر فيخرج أهل كل صناعة بظاهر البلد ويكون خلـف السلطـان صاحـب العلامـات وهـو أميـر علـم راكـب ووراءه أعلـام القبائـل ووراء الأعلام الطبول والبوقات وخلفهم محركو الساقة الذين هم بمثابة النقباء وبأيديهم العصي يرتبون العساكر وخلف هؤلاء العسكر‏.‏

والفارس الذي عن يمين السلطان إليه أمر دق الطبول يقول‏:‏ دق فلان باسم كبيرهم ويستمر من حول السلطان من المشاة يمشون ثم يركبون ويطيف بالسلطان جماعةٌ يقرأون حزباً من القرآن الكريم‏.‏

ثم يقف السلطان ويدعو ويؤمن وزير الجند على دعائه ويؤمن الناس على تأمينه ويجد الناس والسلطان السير‏.‏

فـإن كانـوا فـي فضـاء كـان مشيهـم علـى هـذا الترتيب وإن ضاق بهم الطريق مشوا كيف جاء على غير ترتيب إلا أن الجند لا يتقدمون على السلطان فإذا قربوا من المنزلة وقف السلطان ودعا وأمن على دعائه كما تقدم وإن كان في صلاة العيد ذهب في طريق وعاد في أخرى‏.‏

الجملة الثامنة عشرة في خروج السلطان للتنزه قـد تقـدم فـي الكلـام علـى مدينـة تونـس أنهـا علـى طـرف بحيرةٍ خارجة من البحر الرومي تحدق بها البساتيـن مـن كـل جانـب وفـي تلـك البحيـرة جزيرة يقال لها سكلة لا ساكن بها ربما ركب السلطان في السفن وصار اليها في زمن الربيع وتضرب بها أخبية ويقيم بها للتنزه أياماً ثم يعود‏.‏

على أنه لا ماء فيها ولا مرعى ولكن لما تشرف عليه من البساتين المستديرة بتلك البحيرة وما قبلها من الجواسق المشرفة ومنظر البحر‏.‏

وقد ذكـر ابـن سعيـد‏:‏ أنـه ربمـا خـرج إلـى بستانـه فيخـرج فـي نحـو مائتـي فـارس مـن الشبـاب المعروفيـن بالصبيان الذين هم بمثابـة المماليـك الكتانيـة بالديـار المصريـة يوصلونـه الـى البستـان ويرجعـون ويبقى وزراؤه الثلاثة نو أبا له‏.‏

وكل ما يتجدد عند كل واحد منهم من الأمر طالعه به وجاوبهم بما يراه‏.‏

قال في مسالـك الأبصـار‏:‏ وركوبـه إلـى البستـان فـي زقـاق مـن قصبتـه إلـى البستـان محجـوب بالحيطـان لا يراه فيه أحد‏.‏

الجملة التاسعة عشرة في مكاتبات السلطان قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ قـال ابـن سعيـد‏:‏ قـال العلامـة أبـو عبـد اللـه بـن القويع‏:‏ إن هذا السلطان لا يعلم على شيء يكتب عنه وإنما يعلم عنه في الأمور الكبار صاحب العلامة الكبرى وهو كاتب السر في الغالب والعلامة الحمد لله أو الشكر لله بعد البسملة‏.‏

قال‏:‏ ومن خاصية كتب هذا السلطان أن تكتب في ورق أصفر‏.‏

ومـن عادته وعادة سائر المغاربة أن لا يطيلوا في الكتب ولا يباعدوا بين السطور كما يفعل في مصر وما ضاهاها‏.‏

أما في الأمور الصغار فإنما تكون الكتابة فيها عن وزير الجند ويكتب عليها صاحب العلامة الصغرى اسم وزير الجند وتكون هذه الكتب في غير الورق الأصفر‏.‏

الجملة العشرون في البريد المقرر في هذه المملكة قـد ذكـر فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ أنـه إذا كتـب كتـابٌ إلـى نواحـي هـذه المملكة ليوصل إلى بعض نوابها جهز مع من يقع الأختيار عليه من النقباء أو الوصفان‏:‏ وهم عبيد السلطان ويركب على بغلٍ إما ملك له أو مستعارٌ ويسافر عليه الى تلك الجهة‏.‏

فـإن أعيـا فـي مكـان تركـه عنـد الوالـي بذلك المكان وأخذ منه بغلاً عوضه إما من جهة الوالي أو يسخره له من الرعايا إلى أن ينتهي إلى جهة قصده ثم يعود كذلك‏.‏

الجملة الحادية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة قـال القاضـي أبـو القاسم بن بنون‏:‏ ليس من عادة سلطان افريقية إلباس من ولي ولايةً خلعةً كما في مصر وإنما هي كسوة‏:‏ وهو قماش غير منفصل يتصرف فيه كيف شاء‏.‏

المملكة الثانية من مماليك بلاد المغرب مملكة تلمسان وهي مملكة الغرب الأوسط وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها أمـا حدودهـا فحدهـا مـن الشـرق حـدود مملكـة أفريقيـة ومـا أضيـف إليهـا مـن جهـة الغـرب وحدهـا مـن الشمـال البحر الرومي وحدها من الغرب حدود مملكة فاسٍ الأتي ذكرها من الشرق وحدها من جهة الجنوب المفاوز الفاصلة بين بلاد المغرب وبلاد السودان‏.‏

وذكـر فـي العبـر‏:‏ أن حدهـا مـن جهـة الغـرب من وادي ملوية الفاصل بينها وبين الغرب الأقصى إلى وادي مجمع في جهة الشرق الفاصل بينها وبين أفريقية‏.‏

وأما قاعدتها فمدينة تلمسان بكسر المثناة من فوق واللام وسكون الميم وفتح السين المهملة وألف ونون‏.‏

وهي مدينة من الغرب الأوسط‏.‏

وقال في تقويم البلدان‏:‏ من الغرب الأقصى متاخمة للغرب الأوسط شرقي فاس بميلة إلى الشمال‏.‏

وموقعها في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول أربع عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاثٌ وثلاثون درجةً واثنتا عشرة دقيقة‏.‏

وهي مدينة في سفح جبل ولها ثلاثة عشر ب أبا وماؤها مجلوب من عينٍ على سن أميال منها وفي خارجها أنهارٌ وأشجار ويستدير بقبليها وشرقيها نهر يصب في بركة عظيمة من آثـار الـأول ويسمـع لوقعـه فيهـا خيرير على مسافةٍ ثم يصب في نهر أخر بعدما يمر على البساتين ثم يصب في البحر وعليه أرحاءٌ دائرة تدخل فيه السفن اللطاف حيث يصب في البحر وبقعتها شريفةٌ كثيرة المرافق‏.‏

ولها حصونٌ كثيرة وفرض عديدة‏:‏ منهـا هنيـن و وهـران و مستغانـم فهنيـن تقابـل المريـة مـن الأندلـس ووهران في شرقي تلمسان بشمالٍ قليل على مسيرةٍ يوم من تلمسان‏.‏

ومستغانم تقابل دانية من الأندلس وعرض البحر بينهما ثلاث مجار ونصف مجرى‏.‏

قال الأدريسي في كتاب رجار‏:‏ وبها آثار الأول ولها أسواقٌ ضخمةٌ ومساجد جامعة‏.‏

قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ وهـي علـى مـا بلـغ حـد التواتـر أنهـا في غاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة من الأرض ولكنها محصنة البناء وبلغ من حصانتها أن أبا يعقوب المريني صاحب فاس حاصرهـا عشر سنين وبنى عليها مدين سماها فاس الجديدة وأعجزه فتحها ولها ثلاثة أسوار ومن جهة القصبة وهي القلعة ستة أسوار وبها أنهار وأشجار وبها شجر الجوز على كثرة ومشمشها يقارب في الحسن مشمش دمشق‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ زكية الزرع والضرع ويقصدها تجار الأفاق للتجارة‏.‏

قـال‏:‏ ويطول مكث المخزونات فيها حتى إنه ربما مكث القمح والشعير في مخاونها ست سنين ثم يخرج بعد ذلك فيزرع فينبت‏.‏

وأما مدنها الداخلة في مملكتها فقد ذكر في مسالك الأبصار أن لها ثمان عشرة مدينة‏:‏ وهي تلمسـان وجـده ومديونـة وتدرومـه وهنيـن ووهران وتيمز غزان وبرسك وشرشال وتونت ومستغانم وتنس والجزائر والقصبات ومازونة وتاحجحمت ومليانة والمرية‏.‏

وأما الطريق الموصل اليها فقد تقدم في الكلام على مملكة تونس الطريق من الديار المصرية الى تونس‏.‏

وقـد ذكـر في الذيل على الكامل أن من تونس الى باجة ومنها إلى تغريه وهي آخر بلاد أفريقية ومنها الى قسنطينة وهي أول بلاد بجاية ومنها إلى أول بلاد تلمسان ومنها إلى قليلية ومنها إلى البقيعة ومنها إلى تلمسان‏.‏

الجملة الثانية في حال مملكتها لم أقف على شيء من ترتيب مملكتها والظاهر أنها تشبه مملكة تونس في الحال والترتيب أو قريبٌ من ذلك‏.‏

فقد ذكر في مسالك الأبصار أن بجاية ثانية تونس في الرتبة والحال والموجـودات والمعاملـات وقـد تقـدم أن بجايـة مـن الغرب الأوسط فتكون تلمسان في معناها وإن وقعت مخالفةٌ في ترتيب المملكة فإنما تكون في القدر اليسير‏.‏

قال في مسالك الأبصار وهي مملكة كبيرة وسلطنة جليلة قريب الثلثين من مملكة بر العدوة‏.‏

وهي وسيعة المدى كثيرة الخيرات ذات حاضرة وبادية وبر وبحر‏.‏

المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى ويقال له بر العدوة وفيه ثلاث مقاصد المقصد الأول في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة وفيه أربع جمل الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة فموقعها في الإقليم الثالث كما في مملكة تونس وبعضها في الإقليم الثاني وبعضها في أوائل الإقليم الرابع على ما سيأتي ذكره‏.‏

وأما حدودها فقد ذكر صاحب العبر‏:‏ أنه من مدينة آسفي حاضرة البحر المحيط إلى وادي ملوية ومدينة تازا من جهة الشرق يحيط به البحر المحيط من جهة الغرب وجبال درن وما يليها ثم قال‏:‏ وهو ديار المصامدة وغيرهم من البربر وذكر في مسالك الأبصار‏:‏ نقلاً عن أبي عبد اللـه محمـد بـن محمـد السلايحـي‏:‏ أن حدهـا من الجنوب الصحراء الكبيرة الأخذة من بلاد البربر إلى جنوب أفريقية ومن الشرق جزائر بني مزغنانة وما هو آخذ على حدها إلى الصحراء الكبيرة ومن الشمال البحر الشامي ومن الغرب البحر المحيط‏.‏

وحكى عنه‏:‏ أن طول هذه المملكة من جزائر بني مزغنانة وهي جزائر بني مزغنان المقدم ذكرهـا فـي بلـاد بجايـة من مملكة تونس إلى البحر المحيط وعرضها من بحر الزقاق بسبتة إلى نهاية بلاد البربر المتصلة بالصحراء الفاصلة بين هذه المملكة وبين بلاد السودان ثلاثون يوماً‏.‏

الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوت عليه من المدن أما قواعدها فخمس‏:‏ القاعدة الأولى فاس بفتح الفاء ألف وسين مهملة‏.‏

وهي مدينة بالغرب الأقصى واقعةٌ في آخر الإقليم الثالث من الأقاليـم السبعة قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول عشر درج وخمسون دقيقة والعرض ثلاثٌ وثلاثون قال‏:‏ وسميت بفاس لأنهم لما شرعوا في حفر أساسها وجدوا فأساً في موضع الحفر‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ وهـي مدينتان يشق بيهما نهر‏.‏

الأولى فاس القديمة والمياه تجري بأسواقها وديارها وحماماتها حتى يقال إنه ليـس بالمشـرق ولا المغـرب مدينـةٌ تضاهيهـا فـي ذلـك الأ أن أرضها ذات ارتفاعٍ وانخفاض‏.‏

وفيها عدة عيون‏.‏

قـال أبـو عبـد اللـه العسلـي‏:‏ عدتهـا ثلثمائـة وستون عيناً‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ لم أر قط حماماتٍ في داخلها عين ينبع إلا في فاس‏.‏

قال‏:‏ وهي أكثر مياهاً من دمشق‏.‏

قال ابن سعيد في المغرب‏:‏ وهي مدينتان‏:‏ إحداهما بناها إدريس بن عبد الله‏:‏ أحد خلفاء الأدارسة بالمغرب وتعرف بعدوة الأندلس‏.‏

والأخرى بنيت بعدها وتعرف بعدوة القرويين‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وكان بنـاء عـدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعيـن ومائـة وبنـاء عـدوة القروييـن فـي سنـة ثلـاث وتسعيـن ومائـة‏.‏

وعـدوة القرويين أكثر عيوناً وبساتين وأشجاراً من عدوة الأندلسيين ورجال عدوة الأندلسيين أشجع ورجال عدوة القرويين أجمل‏.‏

ونساء عدوة الأندلسيين أجمل‏.‏

وبعدوة الأندلسيين تفاحٌ حسنٌ طيب الطعم يعرف بالطرابلسي لا يفلح بعدوة القرويين‏.‏

وبعدوة القرويين أترجٌ حسنمٌ لا يفلح بعـدوة الأندلسييـن مـع التقـارب علـى ضفـة النهـر الغربيـة وهي في مستوٍ من الأرض وهي في علو لا يحكم النهر عليها‏.‏

والثانية فاس الجديدة وهي ثلاث مدن بناها آباء ملوكها القائمتين بها الآن حين ملكوا الغرب الأقصى‏.‏

ولما نزلوها بنوا معها ثلاث مدن على صفة النهر الغربية‏.‏

أولها المدينة البيضاء وتعرف بالجديدة‏.‏

بناها أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق أول من استقل بالملك بعد الموحدين‏.‏

الثانيـة مدينـة حمـص ويعرف موضعها بالملاح‏.‏

بناها ولده أبو سعيد‏:‏ عثمان بن أبي يوسف إلى جانب المدينة البيضاء المقدم ذكرها‏.‏

الثالثة ربض النصارى وهي المتخذة لسكنى من الفرنج المستخدمين بخدمة السلطان‏.‏

وهذه المتجددات الثلاث على ضفة النهر الغربية‏:‏ فربض النصارى يقابل فاس القديمة على بعد من ضفـة النهـر‏.‏

والبيضـاء وهـي فـاس الجديـدة آخـذة مـن شمالـي ربضـة النصـارى إلى ضفة النهر‏.‏

وأول عمـارة فـاس الجديـدة آخـر عمـارة فـاس العتيقـة‏.‏

وحمـص راكبـة على النهر بشمال على جانب فاس الجديـدة آخـذة إلـى ربض النصارى ينصب من الجنوب إلى الشمال ثم ينعطف على زاويةٍ آخذاً مـن الغـرب إلـى الشـرق حتـى يصير كأنه ينحدر من الغرب وحمص على مجراه هناك ثم يمر آخذاً إلـى الشـرق علـى حالـه فـوق فـاس الجديدة‏.‏

ثم ينعطف عليها بزاوية إلى الجنوب ثم ينعطف إلى الشرق جائزاً بها وهناك فاس العتيقة على الضفة الشمالية والقصبة وهي القلعة بها في غربيها مرجلة على إلا رض لا تتميز على المدينة برفعةٍ ولا ببناءٍ عـالٍ ويصيـر النهـر مستديـراً بفـاس الجديدة من جانب الشمال على المجرى المركب عليه حمص ومن الشرق حيث انعطف النهر عند فاس العتيقة‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وهذا النهر متوسط المقدار‏.‏

عرضه في المكان المتسع نحو أربعين ذراعـاً وفـي الضيـق دون ذلـك وربمـا تضايـق إلى خمسة عشر ذراعاً فما دونها وعمقه في الغالب تقدير قامة رجل‏.‏

ونقل في مسالك الأبصار عن ابن سعيد‏:‏ أن نهرها يلاقي وادي سبو وهو من أعظم أنهار المغرب يصب في البحر المحيط بين سلا وقصر عبد الكريم‏.‏

قال في تقويم البلـدان قـال ابـن سعيـد‏:‏ وعلـى أنهارهـا داخـل المدينـة نحـو ستمائـة رحـاً تـدور بالماء دائماً‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وعليها ناعورةٌ ترفع الماء إلى بستان السلطان‏.‏

وبناء فاس العتيقة بالأجر والجبال مكتنفةٌ بها وعلى كل من عتيقها وجديدها أسوارٌ دائرة محصنـة ذات بـروج وبدنـات وجميع أبنيتها بالحجر والأجر والكلس موثقة البناء مشيدة الأركان‏.‏

وتزيد فاس الجديدة على فـاس العتيقة في الحصانة والمنعة والعتيقة بسورٍ واحد من الحجارة والجديدة بسورين من الطين المفرغ بالقالب من التراب والرمل والكلس المضروب وهو أشد من الحجر ولا تعمل فيه المجانيق ولا تؤثر فيه وكذلك غالب أبنيتها وسقـوف جميعهـا الخشـب وربمـا غشيـت بعـض السقـوف وهـو نـوعٌ مـن الأجـر مدهـونٌ بدهـانٍ ملـون كالقاشانـي بالأبيـض والأسود والأزرق والأصفر والأخضر وما يركب من هذه الألوان وغالبة الأزرق الكحلي وربما اتخذ منه الوزرات يحيطان الـدور قـال فـي مسالك الأبصار‏:‏ وسألت السلائحي عن مقدار عمارة فاس عتيقها وجديدها‏.‏

فقـال‏:‏ تكـون قـدر ثلـث مصـر والقاهـرة وحواضرهمـا‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ وللمدينتيـن ثلاثـة عشر ب أبا وفي القديمة مخازن الغلال وهي مكانٌ يستدير عليه سورٌ منيعٌ عليه بابٌ وغلق داخله المطامير‏.‏

وبفاس العتيقة داخل سورها جنانٌ ورياض ذات أشجار ورياحين في دور الكبراء وبيوت الأعيان‏.‏

ثم قال‏:‏ وبكل من فاس القديمة وفاس الجديدة المعروفة بالبيضاء وحمص الجوامـع والمساجـد والمآذن والحمامات والأسواق‏.‏

أما المدارس والخوانق والربط فمما خلت صحائف أهل المغرب من أجورها إلا النزر اليسير جداً‏.‏

وبفاس العتيقة مارستان ودور فاس مجالس متقابلةٌ على عمـد مـن حجر أو آجر ورفارف تطل على صحن الدار وفي وسط صحن الدار بركة يصب بهـا المـاء ويعبـر عنهـا عندهـم بالصهريج ولهم عناية باتخاذ القباب في بيوتهم حتى يوجد في دار الكبير فبتان فأكثر وحماماتهم صحـنٌ واحـد لا خلـاوي فيهـا ولذلـك يتخـذ غالـب رؤساهـم الحمامات في بيوتهم فراراً من مخالطة العامة في الحمام‏.‏

قـال ابـن سعيـد‏:‏ ومدينـة فـاس متوسطـةٌ بيـن ملـك الغـرب بينهـا وبين مراكش عشرة أيام وبينها وبين تلمسان عشرة أيام وبينها وبين سبتة عشرة أيام وبينها وبين سجلماسة عشرة أيام‏.‏

قال في مسالـك الأبصـار‏:‏ ولذلـك صلحت أن تكون قاعدة الملك‏.‏

وهي تشبه الإسكندرية في المحافظة على علوم الشريعة وتغيير المنكر والقيام بالناموس وتشبه بدمشق في البساتين‏.‏

وقد ذكر ابن المنقذ‏:‏ رسوال السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى بلاد المغرب‏:‏ أنهم أخرجـوا إلـى بستـانٍ بفـاس يقـال له البحيرة متحصلة في كل سنة خمسةٌ وأربعون ألف دينار وبه بركةٌ ذرع كل جانب منها مائتان وستة عشر ذراعاً يكون دورها ثمانمائة ذراع وأربعةً وستين ذراعاً‏.‏

قال‏:‏ وبها ما هو أكبر من ذلك‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ وأهلها مخصوصون برفاهية العيش‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ ولأهلها حسـن الصنعـة فـي المخروطـات مـن الخشـب والنحـاس‏.‏

قال أبو عبد الله السلايحي‏:‏ ولكنها وخمة ثقيلة الماء تعلو وجوه سكانها صفرةٌ وتحدث في أجسادهم كسلاً وفتوراً‏.‏

القاعدة الثانية سبتة قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ بفتـح السيـن المهملـة وسكـون البـاء الموحـدة وتـاء مثنـاة فـوق وهـاء فـي الآخر‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ والنسبة إليها سبتي بكسر السين‏.‏

وهي فـي دخلـة فـي البحـر‏.‏

قـال فـي تقويـم البلدان‏:‏ وهي مدينة بين بحرين‏:‏ بين البحر المحيط وبحر الروم‏.‏

ومدخلها من جهة المغرب وهو مدخل ضيق والبحر محيط بأكثرها ولو شاء أهلها لوصلوا البر حولها وجعلوه جزيرة‏.‏

ولها أسوار عظيمة من الصخر وعليها أبراجٌ كثيرةٌ والماء يجلب إليها في الشواني حتى للحمامات التي بها وبها صهاريج من ماء المطر‏.‏

ويقال إنها أول ما بنى ببر العدوة‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وهي سبعة أجبل صغار متصلة بعضها ببعض معمورة طولها من الغـرب إلـى الشـرق نحـو ميـل‏.‏

و قـال فـي مسالـك الأبصـار‏:‏ طولها من السور الغربي المحيط بربضها إلـى آخـر الجزيـرة خمسـة أميـال‏.‏

قـال فـي الـروض المعطـار‏:‏ ولها بابان من جهة البر ويتصل بها على ميلين من جهة الغرب جبلٌ يعرف بجبل موسى وهو موسى بن نصيـر الـذي فتـح الأندلـس ويجاوره بساتين وأشجارٌ وقرى كثيرة وهناك يزرع قصب السكر ويحمل إلى ما جاورها من البلدان ولها نهر عذب في البحر وكان بها كنيسة جعلت جامعاً وبها يستخرج مـن البحـر شجر المرجان الذي لا يعدله مرجان‏.‏

ويقابلها من الأندلس الجزيرة الخضراء وبحر الروم بينهما ضيق حتى إنه إذا كان الصحو ريئت إحداهما ممن الأخرى ولذلك يسمى بحرها بحر الزقاق وميناها شرقيها وغالب طرف الدنيا موجودةٌ فيها والحنطة مجلوبةٌ إليها إذ لا يزكو نباتها فيها ويصاد فيها أسماك مختلفة على نحو مائة وكانت هذه المدينة قاعدةً لهذا القطـر قبـل الأسلـام وهـي يومئـذ ديـار عمـارة مـن المصامـدة والحاكم عليها ملك الأندلس من القوط وكان ملك عمارة بها في زمن الفتح يقال له يليان ولما زحـف إليـه موسى بن نصير المذكور أمير أفريقية في زمن الفتح جاء معه بالهدايا وأذعن لأداء الجزية فأقره عليها واسترهن ابنه وأبناء قومه وأنزل طارق بن زياد بطنجة بالعساكر إلى أن أجاز البحر لفتح الأندلس كما سيأتي في الكلام على مكاتبة صاحب الأندلس‏.‏

ولمـا هلـك يليـان استولى المسلمون من العرب على مدينة سبة بالصلح من أهلها فعمروها إلى أن كانـت فتنـة ميسرة الخفير وما دعا إليه من مذهب الخوارج وأخذ به الكثر من البربر من غمارة وغيرهم فزحف برابرة طنجة إلى سبتة فأخرجوا العرب منها وخربوها وبقيت خاليةً إلى أن عمرهـا ماجكـس مـن وجـوه غمارة من البربر وبناها وأسلم وصحب أهل العلم فرجع الناس إليها ومات‏.‏

فقام بأمره من بعده ابنه عصام فأقام بها زمناً إلى أن مات‏.‏

فولي بعده ابنه مجير فأقام بها إلى أن مات‏.‏

فوليها أخوه الرضي ويقال ابنه وكانوا يعطون الطاعة لبني إدريس من العلوية ملوك فاس ولما سما الناصر الأموي صاحب الأندلس إلى ملك المغرب وتناول أكثره من يد الأدارسـة ببلـاد غمـارة وغيرهـا حين أخرجوا من فاس وقاموا بدعوة الناصر في جميع أعمالهم نزلوا للناصر عن سبتـة فبعـث إليهـا العساكـر فانتزعهـا مـن يـد الرضـي بـن عصـام سنـة تسـع عشـرة وثلثمائـة وانقرضت أمر بني عصام وصارت سبتة للناصر ومن بعده من بني أمية خلفاء الأندلس‏.‏

وكان علي والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس العلوي وقد لحقا بالأندلس لما أخرج المستنصر الأموي الأدارسة من المغرب وبقيا بالأندلس إلى أن كانـت أيـام المستعيـن سليمـان بـن الحكـم فاختـص بقاسـم وعلـي ابني حمود وعقد لعلي بن حمود على طنجة وأعمال غمارة فنزلها ثم خرج عن طاعته ودعا لنفسه وعاد إلى الأندلس وولي الخلافـة بقرطبـة كمـا سيأتـي فـي مكاتبـة صاحـب الأندلـس وولى على عمله بطنجة ابنه يحيى بن علي‏.‏

ثـم أجاز يحيى بعد موت أبيه إلى الأندلس واستقل أخوه إدريس بن علي بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه من مواطن غمارة‏.‏

ثم أجاز إلى الأندلس بعد مهلك أخيه يحيى وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على عملهم بسيتة وطنجة وأرسل معه نجا الخادم لتدبير دولته‏.‏

ثـم أجـاز نجـا الخـادم إلـى الأندلـس ومعـه حسـن بن يحيى المذكور ثم عقد حسن لنجا الخادم على فلمال هلك حسن بالأندلس أجاز نجا إلى الأندلس واستخلف على العمل من وثق به من الموالي الصقالبـة واستمـرت فـي الموالـي واحـداً بعـد آخـر إلـى أن استقـل بسبتـة وطنجـة مـن موالـي بنـي حمود الحاجب سكوت البرغوطي فاستقل بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة واتصلت أيامه إلـى أن كانـت دولـة المرابطيـن وغلـب أميـر المسلميـن يوسـف بـن تاشفين على مغراة بفاس وسار إلى بلاد غمارة ونازل سكوت الحاجب وكانت بينهما واقعة قتل فيها سكوت ولحق ضياء الدولة بن سكوت بسبتة فأقام بها إلى أن نازله المعز بن يوسف بن تاشفين بها فقبض عليه ثم قتله وانقرضـت دولـة بنـي حمـود مـن بلـاد غمـارة وصـارت فـي ملـك المرابطيـن إلـى أن فتـح بنو عبد المؤمن من الموحدين مراكش فدخل أهل سبتة وسائر غمارة في طاعتهم وأقامت على ذلك إلى أن ضعفت دولة بني عبد المؤمن‏:‏ ثار في غمارة محمد بن محمد اللثامي المعروف بأبي الطواجن وكـان لـه يـدٌ فـي السيميـاء وارتحل إلى سبتة فنزل عليها وادعى النبوة وأظهر أنواعاً من السيمياء فاتبعه جماعةٌ ثم ظهر لهم حقيقة أمره فرجعوا عنه وقتله بعض البربر غيلةً إلى أن كانت أيام من بني مرين وغلبهم على بلاد المغرب فامتنعت عليهم سبتة وقام بأمرها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختها فبقيت بيده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم بنو مرين سنة تسع وعشرين وسبعمائة في أيام السلطان أبي الحسن فصارت تابعةً لفاس دار ملك بني مرين جاريةً في يد القاعدة الثالثة مدينة مراكش بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وفتحها وألف ساكنة ثم كاف ثم شين معجمة‏.‏

وهي مدينة واقعة في أول الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول إحدى عشرة درجـةً والعـرض تسـع وعشـرون درجـةً‏.‏

بناهـا أميـر المسلميـن يوسـف بـن تاشفيـن ملك المرابطين في أرض صحراوية وجلب إليها المياه‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وأول ما بني بها القصر المعروف بقصر الحجـر ثـم بنـى النـاس حولـه ثـم زادهـا يعقـوب بـن عبـد المؤمـن وكبّرهـا ومصّرهـا وفخّمها وضخّمها وجلب إليها المياه والغراس‏.‏

قـال في تقويم البلدان ودورها سبعة أميال ولها سبعة عشر ب أبا‏.‏

قال في الروض المعطار‏:‏ وبنـى سورها علي بن يوسف بن تاشفين في سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة وقيل سنة أربع عشرة وخمسمائة‏.‏

قال‏:‏ وطولها مائة وعشرون ميلاً وعرضها قريبٌ من ذلك وهي في وطاءة مـن الـأرض ليـس حولهـا جبـال إلا جبـل صغيـر منـه قطع الحجر الذي بنى منه علي بن يوسف بن تاشفين قصره وعامة بنائها بالطين والطوب‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهي مما سكنت بها وعرفتها ظاهراً وباطناً ولا أرى عبارة تفي بما تحتوي عليه ويكفي أن كل قصر من قصورها مستقلٌّ بالديار والبساتين والحمّام والأصطبلات والمياه وغيـر ذلـك حتّـى إن الرئيـس منهـم يغلـق بابـه على جميع خوله وأقاربه وما يحتاج إليه ولا يخرج من بابه إلى خارج داره لحاجة يحتاجها ولا يشتري شيئاً من السوق لمأكل ولا يقريء أولـاده فـي مكتـب ويخـرج مـن بابـه راكبـاً فـلا تقـع عليـه العيـن راجـلاً‏.‏

قـال‏:‏ ولا أدري كيف أصل إلى غاية من الوصـف أصـف بهـا ترتيـب هـذه المدينـة المحدثـة فإنها من عجائب همّات السلاطين ذات أسوار ضخمة وأبوابٍ عاليةٍ‏.‏

وبظاهرها مدينة اختطها المنصور يعقوب بن عبد المؤمن له ولخواصّه تعرف بتامرّاكش وبها قصـر الخلافـة الـذي بنـاه بـه دورٌ عظيمـة وبهـا بستـانٌ يعرف بالبحيرة طوله اثنا عشر ميلاً به بركةٌ عظيمةٌ لم يعمل مثلها قال العقيليّ‏:‏ طولها ثلثمائة وثمانون باعاً على جانبها الواحد أربعمائة شجـرة نارنـج بيـن كـل اثنتيـن منهـا ليمونة أو ريحانة‏.‏

وهي أكثر بلاد الغرب بساتين وشجرها أكثر منها وبساتينها تسقى بالبئار وبئارها قريبة الرشاء على نحو قامتين من وجه الأرض وهي كثيـرة الـزّرع والضّـرع وبها دار الضيافة المعروفة بدار الكرامة‏.‏

وفيها يقول محمد بن محمد البربريّ من أبيات يمدحهم ويصفها‏:‏ خفيف‏.‏

خير قـومٍ دعـوا إلـى خيـر دارٍ هي للملك نضرةٌ وكمامـه عالم السبعة الأقاليم فيها وهم في فنائهـا كالقلامـه وبمراكش جامع جليل يعرف بالكتبيين طوله مائة وعشرة أذرع وعلى بابه ساعات مرتفعة في الهواء خمسين ذراعا كان يرمى فيها عند انقضاء كل ساعة صنجة زنتها مائة درهم تتحرك لنزولها أجراس تسمع على بعد تسمى عندهم بالبحانة‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ إلا أن الناس أكثـروا فيهـا البساتيـن فكثـر وخمهـا‏.‏

قـال فـي الـروض المعطـار‏:‏ وقـد هجاهـا أبـو القاسـم بـن أبـي عبد الله محمد ابن أيوب بن نوح الغافقي من أهل بلنسية بأبيات أبلغ في ذمها فقال‏:‏ مخلع البسيط‏.‏

مراكش إن سألت عنها فإنها في البلاد عار‏!‏ هواؤهـا فـي الشتـاء ثلج وحرها في المصيف نار‏!‏ وكـل مـا ثـم وهو خيرٌ من أهلهـا عقـربٌ وفـار‏!‏ فإن أكن قد مكثت فيها فإن مكثي بها اضطرار‏!‏ وكانت هذه المدينة دار ملك المرابطين من الملثمين الذين ملكوا بعد بني زيري ثم الموحدين من بعدهم‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وبينها وبين فاس عشرة أيام‏.‏

وقال في الروض المعطار‏:‏ نحو ثمانية أيام‏.‏

قال‏:‏ وبينها وبين جبال درن نحو عشرين ميلاً‏.‏

القاعدة الرابعة سجلماسة بكسـر السيـن المهملـة وكسـر الجيـم وسكـون اللـام وفتـح الميـم ثـم ألـف وسيـن مهملـة مفتوحة وهاء في الآخـر وهـي مدينـة فـي جنـوب الغـرب الأقصـى فـي آخـر الإقليـم الثانـي مـن الأقاليـم السبعـة‏.‏

قال ابن سعيـد‏:‏ حيـث الطـول ثلـاث عشـرة درجـة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ست وعشرون درجة وأربع وعشرون دقيقة‏.‏

وهي مدينةٌ عظيمةٌ إسلامية وبينها وبين البحر الرومي خمس عشرة مرحلةً وليس قبليها ولا غربيها عمرانٌ وبينها وبين غابة من بلاد السودتن مسيرة شهرين في رمال وجبال قليلة المياه لا يدخلهـا إلا الأبـل المصبرة على العطش‏.‏

اختطها يزيد بن الأسود من موالي العرب وقيل‏:‏ مدرار بن عبد الله‏.‏

وكـان مـن أهـل الحديـث يقال إنه لقي عكرمة مولى ابن عباس بأفريقية وسمع منه‏.‏

وكان صاحب ماشية وكان ينتجع موضع سجلماسة بالصحراء ليرعى به ماشيته فكان يجتمع إليه أهل تلك الصحراء من مكناسة والبربر وكانوا يدينون بدين الصفرية من الخـوارج فاجتمـع عليـه جماعـةٌ منهـم فلمـا بلغـوا أربعيـن رجـلاً قدموا عليهم يزيد بن الأسود وخلعوا طاعة الخلفاء واختطوا هذه المدينة سنة أربعين ومائةٍ من الهجرةٍ‏.‏

ولها اثنا عشر ب أبـا وهـي كثيـرة العمـارة كثيـرة البساتيـن رائقـة البقـاع ذات قصـور ومنـازل رفيعة وعماراتٍ متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهـة المشـرق مـن الصحـراء يزيـد فـي الصيف كزيادة النيل ويزرع على مائة كما يزرع على ماء النيـل والـزرع عليـه كثيـر الأصابـة والمطـر عندهـم قليـل‏:‏ فـإذا كانـت السنة كثيرة الأمطار نبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غيـر بـذر وربمـا حصـدوه عنـد تناهيـه وتركوا أصوله فتنبت ثانياً‏.‏

ويقال‏:‏ يزرع بها عاماً ويحصد ثلاثة أعوام وذلك أن أرضها مشقةٌ هي بلدةٌ شديدة الحر فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد ودخـل فـي الشقـوق فـإذا كـان العـام الثانـي وعلـاه مـاء النهـر وخـرج عنـه حرثـوه بـلا بـذر فينبـت ما في الشقوق ويبقى كذلك ثلاث سنين‏.‏

وقـد حكـى ابـن سعيـد‏:‏ أن هـذا الـزرع فـي السنـة الأولـى يكـون قمحـاً وفـي باقـي السنيـن سلتـاً وهو حب بين القمح والشعير‏.‏

وبها الرطب والتمر والعنب الكثير والفواكه الجمة وليس فيها ذئاب ولا كلاب لأنهم يسمنونها ويأكلونها وقلما يوجد فيها صحيح العينين ولا يوجد بها مجذومٌ ولها ثمانية أبواب من أي باب منها خرجت ترى النهر والنخيل وغير ذلك من الشجر وعليها وعلى جميع بساتينها حائطٌ يمنع غارة العرب مساحته أربعون ميـلاً وثمرهـا يفضـل ثمـر سائـر بلـاد المغرب حتى يقال‏:‏ إنه يضاهي الثمر العراقي وأهلها مياسير ولها متاجر إلـى بلـاد السـودان يخرجون إليها بالملح والنحاس والودع ويرجعون منها بالذهب التبر‏.‏

قال ابـن سعيـد‏:‏ رأيـت صكاً لأحدهم على آخر مبلغه أربعون ألف دينار‏.‏

ولمـا قدمـوا عليهم عيسى بن الأسود المقدم ذكره أقام عليهم أياماً ثم قتلوه سنة خمس وخمسين ومائة واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن واسول بن مصلان بن أبي يزول بن تافرسين بن فراديس بن ونيف بن مكناس بن ورصطف بن يحيى بن تمصيت بن ضريس بن رجيك بن مادغش بن بربر‏.‏

كان أبوه سمكو من أهل العلم ارتحل إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والأكرام فأدرك التابعين وأخذ عـن عكرمـة مولـى ابـن عباس ومات فجأة سنة سبع وستين ومائة لثنتي عشرة سنةً من ولايته‏.‏

وكان مع ذلك على مذهب الصفرية وخطـب فـي عملـه للمنصـور والمهـدي مـن خلفـاء بنـي العباس‏.‏

ولما مات مكانه ابنه إلياس بن أبي القاسم وكان يدعى بالوزير ثم انتقضوا عليه سنة أربع وسبعين ومائة فخلعوه‏.‏

وولي مكانه أخوه اليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور فبنى سور سجلماسـة وشيـد بناينهـا واختـط بهـا المصانـع والقصـور لأربع وثلاثين سنة من ولايته‏.‏

وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة وسكنها آخر المائة الثانية بعد أن كان يسكن الصحراء وهلك سنة ثمانٍ ومائتين‏.‏

وولي بعده ابنه مدرار ولقب المنتصر وطال أمد ولايته‏.‏

وكان له ولدان اسم كل منهم ميمونٌ فوقع الحرب بينهما ثلاث سنين ثم كـان آخـر أمرهمـا أن غلـب أحدهمـا أخـاه وأخرجـه مـن سجلماسة ثم خلع اباه واستقل بالأمر وساءت سيرته في الرعية فخلعـوه وأعـادوا مـدراراً أباه‏.‏

ثم حدث نفسه بإعادة ابنه ميمونٍ فخلعوه وولوا ابنه ميموناً الآخر وكان يعرف بالأمير ومات مدرارٌ إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين‏.‏

ومات ميمونٌ سنة ثلاث وستين ومائتين‏.‏

وولي مكانه ابنه محمد فبقى إلى أن توفي سنة سبعين ومائتين‏.‏

فولـي مكانـه اليسـع بـن المنتصـر‏.‏

وفـي أيامـه وفـد عبيـد الله المهدي الفاطمي وابنه أبو القاسم على سجلماسة في خلافة المعتضد العباسي وكان اليسع على طاعته فبعث المعتضد إليه فقبض عليهمـا واعتقلهمـا إلـى أن غلـب أبـو عبد الله الشيعي داعي المهدي بني الأغلب أصحاب أفريقية فقصـد سجلماسـة فخـرج إليـه اليسـع فـي قومـه مكناسـة فهزمـه أبو عبد الله الشيعي واقتحم عليه البلـد وقتلـه سنـة ست وتسعين ومائتين واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبايع لعبيد الله المهدي‏.‏

وولى المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المزاتي وانصرف إلى أفريقية ثم انتقض أهل سجلماسة على واليهم وإبراهيم ومن معه من مكناسة سنة ثمان وتسعين ومائتين‏.‏

وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير ابن مدرار المتقدم ذكره ولقبه واسول وهلك قريباً من ولايتـه على رأس المائة الثالثة‏.‏

وولـي مكانـه أخـوه أحمـد بـن ميمـون الأميـر واستقـام أمـره إلـى أن زحف مصالة بن حيوس في جموع كتامـة ومكنائـة إلـى المغرب سنة تسع وثلثمائة فافتتح سجلماسة وقبض على صاحبها أحمد بن ميمون‏.‏

وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن يادن بن مدرار فلم يلبث أن استبد وتلقب المعتز وبقي حتى مات سنة إحدى وعشرين وثلثمائة قبل موت المهدي‏.‏

وولي من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فأقام عشراً ثم هلك‏.‏

وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين ودبرته جدته لصغره‏.‏

ثم ثار عليه ابن عمه محمد بن الفتح بن ميمونٍ الأمير وتغلب عليه وشغل عنه بنو عبيد الله المهـدي بفتنـة ابـن أبي العافية وغيرها فدعا لنفسه مموهاً بالدعاء لبني العباس وتلقب الشاكر لله وأخـذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية وكان جميع من تقدم من سلفه على رأي الأباضية والصفرية من الخوارج وضرب السكة باسمه ولقبه وبقي كذلك حتى فرغ بنو عبيد الله من الفتـن فزحـف القائـد جوهـر أيـام المعـز لديـن اللـه معد إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلثمائة فغلب على سجلماسة وملكها وفر محمد بن الفتح عنها ثم قبض عليه جوهر بعد ذلك وحمله إلى القيروان‏.‏

فلما انتقض المغرب على العبيدين وفشت فيه دعوة الأمويين بالأندلس ثار بسجلماسة قائم من ولـد الشاكر وتلقب المنتصر بالله ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين فقتله وقام بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئـذ قـد تداعـى إلـى الأنحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب إلى أن زخف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسـة سنـة سـت وستين وثلثمائة وبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتابه بالفتح وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر بقرطبة فعقد لخزرون على سجلماسة فأقام دعوة هشام في نواحيها فكانت أول دعوة أقيمت لهم في أمصار المغرب الأقصى وانقرض أمر مكناسة من المغرب أجمع‏.‏

وانتقلت الدولة إلى مغرواة وبني يفرن وعقد هشام لخزرون على سجلماسة وأعمالها وجاءه عهد الخليفة بذلك وضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك‏.‏

فولـي أمـر سجلماسـة مـن بعـده ابنـه وانودين بن خزرون إلى أن غلب زيري ابن مياد على المغرب فعقـد علـى سلجلماسة لحميد بن فضل المكناسي وفر وانودين بن خزرون عنها ثم أعاده عبد الملـك إلـى سجلماسـة بعـد ذلـك علـى قطيعـة يؤديهـا إليـه ثـم استقـل بهـا من أول سنة تسعين وثلثمائة مقيماً للدعوة الأموية بالأندلس ورجع المعز بن زيري بولاية المغرب عن المظفر بن أبي عامر واستثنى عليه ولاية سجلماسة لكونها بيد وانودين واستفحل ملك وانودين واستضـاف إلـى سجلماسة بعض أعمال المغرب ومات‏.‏

فقـام بالأمر بعده ابنه مسعود وانودين إلى أن خرج عبد الله بن ياسين شيخ المرابطين فقتل ابن وانودين سنة خمس وأربعين وأربعمائة ثم ملـك سلجماسـة بعـد ذلـك سنـة سـت وأربعيـن ودخلت في ملك المرابطين لأول أمرهم وانقرضت دولة بني خزرون منها وتداولها من بعدهم مـن ملـوك الموحديـن ثـم ملـك بنـي مريـن على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الغرب الأقصى إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما ما اشتملت عليه هذه المملكة من المدن المشهورة‏.‏

فمنها مدينة آسفي بفتح الهمزة ومدها وكسر السين المهملة والفاء وياء مثناة تحت في آخرها‏.‏

وهـي مدينـة واقعـة فـي الإقليـم الثالـث مـن الأقاليـم السبعة قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول سبع درج والعـرض ثلاثـون درجـة قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ وهـي مـن عمل دكالة وهي كورة عظيمة من أعمال المراكش قـال ابـن سعيـد‏:‏ وهـي علـى جون من البحر في البر في مستوٍ من الأرض وهي فرضة مراكش وبينها وبين مراكش أربعة أيام وأرضها كثيرة الحجر وليس بها ماء الأأ من المطر وماؤها النبع غير عذب وبساتينها تسقى على الدواليب وكرومها على باب البلد‏.‏

قال الشيخ عبد الواحد‏:‏ وهي تشبه حماة ودونها في القدر ولكن ليس لها نهري يجري‏.‏

ومنهـا سـلا‏.‏

بفتـح السيـن واللـام وفـي آخرهـا ألـف وهـي مدينـة مـن الغرب الأقصى في آخر الإقليم الثالث‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول سبع درج وعشر دقائق والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقـة وهـي مدينـة قديمـة فـي غربيهـا البحـر المحيـط وفـي جنوبيهـا نهـر عظيـم يصـب فـي البحـر المحيـط والبساتين والكروم‏.‏

وبنـي عبـد المؤمـن أمامهـا مـن الشـط الجنوبـي علـى النهر والبحر المحيط قصراً عظيماً وبنى خاصته حوله المنازل فصارت مدينة عظيمة سماها المهدية‏.‏

وسلا متوسطة بين بلاد المغرب الأقصى قريبةٌ من الأندلس وهي مدينةٌ كثيرة الرخـاء ولهـا معاملة كبيرة يقال لها تامسنا مثيرة الزرع والمرعى وفيها مدن كثيرة‏.‏

ومنها لمطة بفتح اللام وسكون الميم وفتح الطاء المهملة‏.‏

وهـي مدينـة مـن الغـرب الأقصـى واقعـةٌ فـي آخـر الإقليـم الثانـي قـال بعضهـم‏:‏ حيث الطول سبع درج وثلاثون دقيقة والعرض سبعٌ وعشرون دقيقة على ثلاث مراحل من البحر المحيط ولها نهر كبير ينـزل من جبلٍ في شرقيها على مرحلتين منها يجري على جنوبيها غرباً بميلة إلى الشمال حتى يصب في البحر المحيط‏.‏

ومنها السوس بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانيةٍ‏.‏

وهي مدينة أقصى المغرب في الإقليم الثاني‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول ثمان درج والعرض ست وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي علـى طـرف مـن البر داخلٍ في البحر أربعين ميلاً وفي جانهبا الشمالي نهر يأتي من الشرق من جبل لمطة‏.‏

ومنها قصر عبد الكريم وضبطه معروف‏.‏

وهي مدينة من الغرب الأقصى في أوائل الإقليم الرابع‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول ثمان درج وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة‏.‏

وهي مدينة على نهر من جهتها الشمالية وهو نهر كبير تصعد فيه المراكب من البحر المحيط وكان قاعدة تلك الناحية قبلها مدينةً اسمها البصرة يسكنها الأدراسة فلما عمرت هذه المدينة صارت هي القاعدة‏.‏

ومنها طنجة بفتح الطاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء في الآخر‏.‏

وهي مدينةٌ من أقاصي المغرب واقعةٌ في الإقليم الرابع‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول ثمان درج وإحدى وثلاثون دقيقة والعرض خمسٌ وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة‏.‏

وهـي مدينة على بحر الزقاق واتساع البحر عندها ثلث مجرىً فإذا شرق عنها اتسع عن ذلك ‏.‏

وهي مدينة أزلية واستحدث أهلها لهم مدينةً على ميل منها على ظهر جبل ليمتنعوا بها والماء ينساق إليها في قني‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وكانت دار ملكٍ قديم‏.‏

وهي التي كانت قاعدة تلك الجهات قبل الأسلام الى حين فتح الأندلس وهي محط السفن وهي كثيرة الفواكه لا سيما العنب والكمثرى وأهلها مشهورون بقلة العقل وضعف الرأي على أن منها أبو الحسن الصنهاجي الطنجي ترجم له في قلائد العيقان وأثنى عليه وأنشد له أبياتاً وقد تحمي الدروع من العوالي ولا تحمي من الحدق الدروع‏!‏ وكذلك أبو عبد الله بن محمد بن أحمد الحضرمي القائل‏:‏ طويل‏.‏

وضنـوا بتوديـعٍ وجادوا بتركه ورب دواء مـات منـه عليل‏!‏ ومنها درعة بفتح الدال وسكون الراء وفتح العين المهملات وهاء في الآخر‏.‏

وهي مدينة من حنوبي المغرب الأقصى واقعةٌ في الإقليم الثاني‏.‏

نقـل فـي تقويم البلدان‏:‏ عن بعضهم أن طولها إحدى عشرة درجة وست دقائق وعرضها خمسٌ وعشرون درجة وعشر دقائق‏.‏

قال في نزهة المشتاق‏:‏ وهي قرى متصلة وعماراتٌ متقاربة وليست بمدينة يحوط بها سور ولا حفير‏.‏

ولهـا نهـر مشهـور في غربيها ينزل من ربوة حمراء عند جبل درن وتنبت عليه الحناء ويغوص ما يفضل منه بعد السقي في صحارى تلك البلاد‏.‏

ومنهـا أغمـات قـال فـي اللبـاب‏:‏ بفتـح الألـف وسكـون الغيـن المعجمـة وفتـح الميـم وألف وتاء مثناة من فوق في آخرها‏.‏

وهي مدينةٌ من الغرب الأقصى واقعةٌ في الإقليم الثالث‏.‏

قال في تقويم البلدان‏:‏ والقياس أن طولها إحدى عشرة درجةً وثلاثون دقيقة والعرض ثمـانٌ وعشرون درجة وخمسون دقيقة‏.‏

وهـي مدينـةٌ قديمـةٌ فـي الجنـوب بميلـة إلـى الشـرق إلـى الـرق عـن مراكـش فـي مكـان أفيح طيب التربة كثير النبات والعشب والمياه تخترقه يميناً وشمالأ‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ وهي التي كانت قاعدة ملك أمير المسليمن يوسف بن تاشفيـن قبـل بنـاء مراكش‏.‏

قال الأدريسي‏:‏ وحولها جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفـة وهواؤهـا صحيـح وفيهـا نهـرٌ ليس بالكبير يشق المدينة يأتيها من جنوبيها ويخرج من شماليها‏.‏

وربما جمد في الشتاء حتى يجتاز عليه الأطفال‏.‏

ومنها تادلا قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد‏:‏ بفتح المثناة من فوق ثم ألف ودال مهملة مكسورة ولام ألف‏.‏

ثم قال‏:‏ وفي خـط ابـن سعيـد تادلـة فـي آخرهـا هـاء وهـي مدينـة بالمغـرب الأقصـى فـي جهـة الجنـوب في الإقليم الثالث‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ حيث الطول اثنتا عشرة درجة والعرض ثلاثون درجة‏.‏

قـال ابن سعيد‏:‏ وهي مدينة بين جبال صهناجة ويقال هي قاعدة صهناجة وغربيها جبل درن ممتد إلى البحر المحيط وهي بين مراكش وبين أعمال فاس ولها عمل جليل وأهلها بربر يعرفون بحراوة‏.‏

ومنها أزمور قال الشيخ شعيب‏:‏ بفتح الهمزة والزاي المعجمة وتشديد الميم ثم واو وراء مهملة في الآخر‏.‏

وهي مدينة على ميلين من البحر أكثر سكانها صهناجة‏.‏

ومنها المزمة وهي فرضة ببر العدوة تقابل فرضة المنكب من بر الأندلس من ساحل غرناطة‏.‏

والمزمة في الشرق عن سبتة بينهما مائتا ميل‏.‏

ومنهـا مدينـة باديـس وهـي فرضـة مشهـورة مـن فرض غمارة في الجنوب والشرق عن سبتة بينهما نحو مائة ميل‏.‏

قـال فـي تقويـم البلـدان‏:‏ وهـي قياسـاً حيـث الطـول عشـر درج وثلاثـون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وخمسٌ وعشرون دقيقة‏.‏

ومنها أودغست قال الشيخ عبد الواحد‏:‏ بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة والغين المعجمة وسكون السين المهملة وفي آخرها تاء مثناة فوق‏.‏

قال في الأطوال‏:‏ حيث الطول ثمان درج وثمان دقائق‏.‏

قال في القانون‏:‏ والعرض ستٌ وعشرون درجة‏.‏

قال‏:‏ وهي في براري سودان المغرب‏.‏

قـال فـي العزيـزي‏:‏ وهـي جنوبـي سلجماسـة وبينهما ستٌ وأربعون مرحلة في رمالٍ ومفاوز على مياه معروفة ولها أسواقٌ جليلة والسفن تصل إليها في البحر المحيط من كل بلد وسكان هذه المدينة أخلاط من البربر المسلمين والرياسة فيها لصناجة‏.‏

قال في العزيزي‏:‏ ولأودغست أعمالٌ واسعـة وهـي شديـدة الحـرارة وأمطارهـا فـي الصيـف ويزرعـون عليهـا الحنطـة والـذرة والدخـن واللوبيـا والكرسنـة وبهـا النخـل الكثيـر وليس فيها فاكهة سوى التين وبها شجر الحجاز كله‏:‏ من السنط والمقل وغيرهما‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكر في مسالك الأبصار‏:‏ عدة مدن غير هذه غير مشهورة يطول ذكرها‏.‏